السبت، 28 نوفمبر 2015

الفيلم الوحيد الذي جعلني أنظر إلى السماء



كلما تقدم بي العمر كلما اكتشفت أيضا أنني لست من هواة الأفلام الكوميدية .. إذ ليس من الضروري.. ولا يشترط أن تكون قصة الفيلم أو المسلسل مبهجة أو نهايته سعيدة.. أبدا..! هل تتذكرون فيلم قلب شجاع (1995)؟ إنه الفيلم الوحيد الذي شاهدته في السينما 3 مرات، رغم أن سكوتلاندا وتنانيرها القصيرة وتاريخها لايعنينا.. إلا أنه أحيانا تكون الروعة كلها في أن ترى الحياة كيفما ينبغي أن تعاش وكيف نستطيع أن نفعل ذلك. وكلما تذكرت الفيلم عادت إلى مشاعري المرتبطة به وكأنني شاهدته بالأمس، بالتالي هناك متعة في أن أحكي لكم قصته لكم سريعا.

قتل والد بطل الفيلم ويليام والاس (ميل جبسون) وآخرون شنقا في خيانة دبرها الملك إدوارد الأول الذي احتلت قواته اسكتلندا. وعاش ويليام طفولته كلها في روما تحت رعاية عمه، ثم عاد في شبابه إلى القرية التي ولد فيها، ليتزوج مارون مكلانو (كاثرين ماكورميك) سرا. لأنه رفض، وقبلت هي رفضه لقانون حق السيد، الذي يعطي حاكم القرية البريطاني الحق في وطء كل زوجة بكر قبل زوجها في ليلة الزفاف، إمعانا في إزلال الاسكتلنديين، وليشك الأب في ابنه البكر والعكس، ويخلق جيلا بعد جيل من الموالين لبريطانيا وبأسها، ولأن الابن البكر كان يدير ثروة أبيه بعد وفاته.
وعندما حاول 3 جنود بريطانيين اغتصاب زوجة ويليام والاس، دافع عنها ووضعها على ظهر حصان، واتفقا على لقاء في كهف بعيد. وذهب كل منهما من طريق لأنه كان عليه الاستمرار في القتال حتى يجد مهربا. إلا أن بعض الجنود تمكنوا من القبض على مارون، وسلموها إلى حاكم القرية، الذي ربطها إلى جذع شجرة وذبحها أمام الجميع، معلنا أن الاعتداء على جنود بريطانيين مثل الاعتداء على الملك، كما أن ويليام والاس تجرأ على سلب حاكم القرية أحد امتيازاته.
وفي كل مرة كنت أذهب فيها إلى السينما كنت أسمع مرور صوت السكين على رقبة مارون، مصحوبا شهقة فزع أو كلمة "لا"، يحاول قائلها أن يغير أحداث الفيلم، إلا أنه لا يستطيع. ثم يعود ويليام والاس إلى القرية ويذبح حاكمها بالسكين نفسه عند الشجرة نفسها، ليمتلئ هواء القاعة بزفرات التشفي. 
وبتبعية الموقف، وجد ويليام نفسه مضطرا لقيادة معارك ضد جنود بريطانيا.. وانتصر.. ونجح في تحرير اسكتلندا ونقل القتال للمرة الأولى إلى أراضي بريطانيا. وفي هذه اللحظة الحاسمة، تعرض للخيانة خانه "النبلاء" الاسكتلنديون، الذين باعوا كل شيء، مقابل وعود بريطانية بمزيد من الأراضي والألقاب. وتم تهريب ويليام والاس شبه فاقد للوعي من معركة كان من المفترض أن يقتل فيها، ليتحول إلى أسطورة حية تحكى عنها قصصا خرافية، متسببا في إزعاج شديد لبريطانيا و"النبلاء الخونة"، بعد أن قتل اثنين منهما. إلا أنه وقع في الأسر مرة أخرى وأودع أحد السجون لندن منتظرا نهايته، وملك بريطانيا على فراشه ينتظر الموت أيضا.
وفي مشهد شعر معه البريطانيون بإهانة دفعتهم إلى الهجوم على الفيلم.. طلبت زوجة الابن البكر للملك إدوارد الأول (صوفي مارسو) أن يعفو عن ويليام والاس إلا أنه رفض، فهمست إليه في أذنه قائلة إن سلالته قد انتهت، لأن حفيده الذي في بطنها، الذي سيجلس على عرش بريطانيا في يوم ما، هو ابن ويليام والاس، الذي تعرض للتعذيب في آخر الفيلم ومزقت أحشاءه ثم قطعت رأسه على رؤوس الأشهاد، وهو يرفض الاعتذار لملك بريطانيا لتخفيف آلام الموت. 
قلب شجاع ذاخر بالتفاصيل والإخراج الرائع ولا أنوي حرق قصته كلها على من لم يشاهده، وكانت دموع المشاهدين تنهمر رغما عنهم في نهاية الفيلم، ولا أبالغ عندما أقول أنني كنت سمعت نحيبا في ظلام قاعة السينما بعد نهاية الفيلم. وفي التوقيت الذي عرض فيه، كان هناك سلوك شبه جماعي للمشاهدين، هو أنهم يخرجون متأثرين جدا بشكل واضح على ملامحهم، ولا يبتعدون عن رصيف السينما سريعا، يطرقون ويفكرون، ثم يتنفسون الصعداء بعد فترة من الصمت تنتهي بالنظر إلى السماء.
وأتذكر أن أحد المنتظرين أمام مدخل السينما سأل أحد الخارجين منها "هل الفيلم جيد؟"، فقال له باقتضاب "نعم"، وعلامات التأثر واضحة عليه، ثم تفاداه سريعا لينفرد بنفسه، تاركا إياه متعجبا من هذا السلوك! ولأن السائل كان ذاهبا للفيلم بصحبة صديقه، قال له صديقه "كل المشاهدين بهذا الحالة، هناك شيء ما في هذا الفيلم، دعنا نشاهده"، وجذبه من ذراعه قائلا "هيا". وكنت أنا سعيدا جدا بقرارهما هذا.
بالمناسبة، عندما تبحث عن قلب شجاع على "جوجل" بالعربية أو الإنجليزية ستجد أن في نتائج البحث الأولى، صفحات تنتقد هذا الفيلم "الدرامي" المبني على التراث الشفهي، لأن وقائعه التاريخية غير حقيقية! هذا مع العلم أنه ليس فيلما تاريخيا! فهل ناقش أحد الأفلام والمسلسلات الأمريكية عن حرب فيتنام؟ وتاريخها ليس ببعيد. أو الأفلام عن الحرب العالمية الثانية التي ضخمت أيضا بطولات الغرب على حساب القوات الروسية؟
وإن كنت وصلت إلى هذا الجزء، فدعني أقول لك لقد أنني فوجئت عندما اكتشفت مرور 20 عاما على الفيلم الذي شاهدته في السينما أنني أصبح لدي تاريخ أحكيه. وبواقع الخبرة أستطيع أن أقول لك أنه هناك دائما مبررات، فالكل يستخدم حجة الدراما عندما يريد نشر وجهة نظر معينة، والكل ينتقد دقتها عندما تتعارض مع وجهة نظره، والاثنان يعرفان أن السينما والمسلسلات لها تأثيرها، وأن الأفلام باقية وكتب التاريخ أيضا، لكن أحدا لا يفتح الأخيرة ليقرأها.
مصطفى علي درويش